الحوار وموقف التربيه الاسلامية منه
مفهوم الحوار :
إن تحديد مفهوم الحوار أمر لابد منه , وتحديد المفهوم يتناول بيان معانيه في اللغة وفي الكتاب والسنة وفي اصطلاح المستخدمين للحوار وكذلك معرفة الألفاظ التي قد تكون مرادفة للحوار
أولاَ : تعريف الحوار في اللغة :
يقول الزمخشري في الأساس ( حاورته : راجعته الكلام وهو حسن الحوار وكلمته فما رد علي محورة ) (الزمخشري ,1415,ص98) وذكر ابن منظور أن معنى (حور : الرجوع عن الشيء , والى الشيء حارالى الشيء وعنه حورا ومحاوراً ومحارة وحؤوراً رجع عنه وإلية والحورُ : النقصان بعد الزيادة لأنه رجوع من حال إلى حال ) والمحاورة : مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة (ابن منظور ,1412,ج4 , ص217 218 )
ومن هذه التعريفات يمكن استخلاص أن الحوار يأتي بمعنى المراجعة بقول (تحاوروا : تراجعوا الكلام بينهم ) . أما المحاورة فيقصد بها ( المجاوبة ومراجعة النطق والكلام في المخاطبة ) (المغامسي ,1425 , ص 21 )
ثانياً : الحوار في الاصطلاح :
لقد وردت للحوار الكثير من التعريفات لكن كان اوضحها ماذكره النحلاوي فقد عرف الحوار بأنه (أن يتناول الحديث طرفان أو أكثر , عن طريق السؤال والجواب , بشرط واحدة الموضوع أو الهدف فيتبادلان النقاش حول أمر معين , وقد يصلان إلى نتيجة , وقد لايقنع أحدهما الآخر , ولكن السامع يأخذ العبرة ويكون لنفسة موقفاً ) ( النحلاوي ,1995,ص206 ) ومن خلال اطلاعنا على تعار يف الحوار أمكاننا أن نستخلص أن الحوار هو حديث بين طرفين أو أكثر حول قضية معينة الهدف منها الوصول الى الحقيقة بعيداً عن الخصومة والتعصب بل بطريقة علمية إقناعية ولا يشترط فيها الحصول على نتائج فورية .
ثالثاً : لفظ الحوار في القران الكريم :
لم ترد كلمة الحوار مصدراً في القران الكريم ولكن بالرجوع إلى المعجم المفهرس لألفاظ القران , وجدنا مشتقات لهذه الكلمة وهي :
1ـ كلمة ( يحاورة ) في سورة الكهف قال تعالى : ( وكان له ثمر فقال لصاحبة وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً) وقال تعالى : ( قال له صاحبهُ وهو يُحاورهُ أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفةٍ ثُم سواك رجلاً ) " سورة الكهف "
2ـ كلمة (تحاور) في سورة المجادلة , قال تعالى : ( قد سمع الله قول التي تًجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله واللهً يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير ) "سورة المجادلة " ( عبدالباقي , 1408 , ص 280 )
رابعاً : لفظ الحوار في السنة النبوية :
لم ترد كلمة حوار في السنة مصدراً وإنما وردت مشتقات هذه الكلمة كما يأتي :
عن عبدالله بن سرجس قال : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر , يتعوذ من وعثاء السفر , وكآبة المنقلب , والحور بعد الكون , ودعوة المظلوم , وسوء المنظر في الأهل والمال ) ومعنى قوله : الحور بعد الكون أو الكور وكلاهما له وجة , انما هو الرجوع من الإيمان إلى الكفر أو من الطاعة إلى المعصية , ولكلمة الحور ثلاثة معان ٍ هي : 1- النقصان بعد الزيادة 2- فساد الأمور بعد صلاحها 3- الرجوع عن الجماعة بعد أن كنا منهم .
وعن أبي ذر أنه سمع رسول الله صلى الله علية وسلم يقول : (أيما رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ومن ادعى ماليس له فليس منا وليتبوأ مقعدع من النار ومن دعا رجلا بالكفر , أو قال : عدو الله , وليس كذلك إلا حار عليه ) ومعنى حار عليه : أي رجع ذلك القول على القائل . ( المغامسي ,1425, ص24) .
رابعاً : ألفاظ تأتي مرادفة للحوار :
تترد على ألسنة كثير من الناس ألفاظاً , ويقصد بها الحوار , ولهذا وجب بيان هذه المرادفات للحوار .
1ـ الجدل :
ويمكن تعريف الجدل بأنه عبارة عن دفع المرء خصمه عن فساد قوله بحجه أو شبهة وهو لا يكون إلا بمنازعة غيره .
وينقسم الجدل إلى نوعين : 1- جدل محمود وهو كل جدل أيد الحق أو أفضى إليه بنية خالصه وطريق صحيح , فكل جدل فيه تحقيق للحق فهو محمود .
2- الجدل المذموم وهو كل جدال ظاهر الباطل أو أفضى إليه ويذم الجدل لأن فيه أحياناً تغيير للحق وقلبه للباطل . ( المغامسي ,1425 ,ص26 )
2- المناظره :
ومعنى المناظره النظر بالبصيره من الجانبين , في النسبه بين الشيئين إظهاراًللصواب , أو هي المحاورة بين فريقين حول موضوع لكل منها وجهة نظر فيه تخالف وجهة نظر الفريق الآخر , فهو يحاول إثبات وجهة نظره وإبطال وجهة نظر خصمه , مع رغبته الصادقه بظهور الحق والاعتراف به لدى ظهوره . ( المغامسي ,1425 ,ص 34 )
3- المناقشة :
تأتي بمعنى المحاسبة والاستقصاء , والمناقشة هي نوع من التحاور بين شخصين أو طرفين , ولكنها تقوم على أساس استقصاء الحساب , وتعرية الأخطاء وإحصائها . وعلى هذا فالمناقشة تشترك مع الحوار في كونهما كلاماً أو حديثاً غير أنها تقوم في الأساس على المحاسبة .
وخلاصة الأمر أن الجدل والمناظرة والمناقشة تعد من أنواع الحواربمعنى خاص به فالفرق بين الحوار والجدل هو أن الجدل فيه خصومه أما الحوار فلا يشترط فيه وجود الخصومه .
وأما الفرق بين الحوار والمناقشة , أن المناقشة تقوم على المحاسبة وبيان الأخطاء أما الحوار فانه لا يقوم على بيان الأخطاء فقط .
موقف التربية الإسلامية من الحوار
إن التربية الإسلامية تربية عملية تتحول بها الكلمة إلى عمل بناء أو إلى خلق فاضل , أو إلى خلق فاضل أو إلى تعديل في السلوك على النحو الذي يحقق وجود ذلك ( الإنسان ) كما تصوره الإسلام .
لهذا إن الحوار وآدابه في ظل التربية الإسلامية لو درست بشكل نظري دون تطبيق لها لعد الأمر من الترف العلمي ومن الأمور التي لايترتب على معرفتها أي نتيجة , ولكنها لو تم تطبيقها بشكل عملي في الحوارات الدائره وخلال الأحاديث العادية لكانت ثمارها واضحة في تخفيف حدة الفرقة بين المسلمين , وفي زيادة أواصر المحبة بينهم ولحققت للمتحاورين مزيداً من المعرفة والعلم , ولأقامه جسوراً جاذبة لغير المسلمين إلى الإسلام .
أن تواصل الحوار بين المسلمين أمر ضروري ذلك أن تواصل الحوار بين المسلمين أمر ضروريذلك لانه يفضي مع مرور الزمن إلى تقلص شقة الخلاف بينهم غير أن هذا التواصل لايكون مفيداً إذا افتقد آداب الحوار. .( عبود , 1977, ص 157 )
إن ما يلحظ في هذه الأيام من كثرة التناحر بين المسلمين , وهوة الخلاف بينهم قد زادت , لدرجة أن المسلم لا يتقبل من أخيه رأياً إلا من رحم الله عز وجل وتحلى بآداب الإسلام , هذا الخلاف أحد أسبابه الرئيسيه عدم معرفة آداب الحوار أو تجاهلها .
لهذا سوف نتحدث في الجزء القادم عن أهم الأساليب التربوية التي تكسب الفرد آداب الحوار , فالحوار هو أسلوب تربوي إيجابي يمكن استخدامه لمختلف الأعمار والطبقات .
أولاً : أساليب تطبيق آداب الحوار في الأسرة :
إن أثر الأبوين في تربية الأبناء كبير جداً ولأن آداب الحوار هي جزء من الآداب التي يجب على الآباء أن يعلموها أبناءهم , فالأب يعلم أبناءه آداب الحوار ذلك لان الطفل الذي يتعود التعبير عن نفسه بأدب ولباقة حري به أن يتقن أصول الحوار في المجتمع , والأب من خلال تعليمه ولده آداب الحوار عليه إعطاؤه الفرصه للتعبير عن نفسة من خلال الكلام , والأجابة على أسئلته حتى وأن كانت ساذجة مع تعليمه كيف يسأل وكيف يختار السؤال .
والأب الذي يحاور أبناءه ويناقشهم ويعلمهم آداب الحوار فإنه بذلك ينمي صلته بهم , فهذا التعليم ينمي العلاقات الإجتماعية بين الأب وابنه ويزيد من اقترابهما من بعضهما البعض , ويجعل الأبن يحس بشخصيته من جهه ويقوي الرباط بينه وبين أبيه ويدفعه إلى الالتجاء إلى أبيه أن استعصى عليه شيء فيكون ذلك أوكد لتوجيه الأب لابنه توجيهاً سليماً ومجال التطبيق يكون بطرائق عدة منها :
أولاً : إكتساب آداب الحوار من خلال التربية بالقدوة :
تعد القدوة من أكثر الأساليب التربوية تأثيراً في إصلاح الفرد فالقدوة لها تأثيرها على الفرد , في إصلاحه أوفي إفساده , بإذن الله عز وجل , وقد كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قدوات صالحه لأقوامهم , ومحمد صلى الله عليه وسلم هو قدوتنا قال تعالى : ( لقَد كان لكُم في رسول الله أسوة حسنةٌ لمن كان يرجوا الله واليوم الأخر وذكر الله كثيراً ) "سورة الأحزاب " فهو عليه الصلاة والسلام قدوة لأصحابه , وقدوة لمن بعده من أمته , لذا تجد أن الصحابة , رضوان الله عليهم حرصوا على وصف أخلاقه وصفاته وتعامله صلى الله عليه وسلم مع غيره.
وآداب الحوار هي من الآداب التي يمكن تعليمها للأبناء عن طريق القدوة والرسول صلى الله عليه وسلم هو القدوة التي يسعى كل مسلم للاقتداء بها , وبطبيعة الحال للوالدين أثرهما في التأثير على أبنائهما في الأقتداء به صلى الله عليه وسلم وبعد الرسول صلى الله عليه وسلم يقتدي الأبناء بالوالدين في كثير من تصرفاتهم وأعمالهم , وذلك لأنه لابد للطفل من قدوة في أسرته ووالديه , لكي يتشرب منذ طفولته المبادئ الإسلامية وينهج نهجها الرفيع (المغامسي ,1425 , ص 266 ) وهذا الأمر قد يتحقق بطرائق كثيرة سنذكر منها أمرين هما :
1- التزام الوالدين بأداب الحوار خلال حوارتهما ,فالوالدان في حوارتهما عليهما الأخذ بآداب الحوار وعدم تجاهلها , والالتزام بهذه الآداب يجعل الأبناء عند مايستمعوم لهذه الحوارات يتأثرون بها ويستفدون في كيفية تطبيقها وبالتالي يمكن لهم الأخذ بهذه الآداب ,لانهم ينظرون إلى آبائهم نظرة إعجاب , وفي الوقت نفسة قد لايلتزم الأبناء بهذه الآداب إذا كان الوالدان لايطبقانها في واقع حياتهما .
2- عن طريق ممارسة هذه الآداب خلال حوارتهما مع أبنائهما بحيث يلحظ الابن تطبيق الأبوين لهذه الآداب ,لأن الحوار مع الأبناء لكي يكون حواراً مثمراً ومفيداً يجب أن يكون صحيحاً وهادئاً وموجهاً بهدف واضح وفي وقت مناسب وكذلك مكان مناسب .
فالحوار معهما لابد أن أن تراعى فيه آداب الحوار وإعطاء الأبناء الفرصه في الأخذ والرد عند الحديث معهما , والأب أو الأم الذي لايراعي هذه الآداب عند حديثه مع أبنائه فإنه ينمي فيهم أمراً سلبياً ألا وهو عدم الاهتمام بهذه الآداب . المغامسي ,1425 , ص 266 )
ثانياً : تربية الأبناء على الأخلاق الفاضلة وآداب الحوار :
إن آداب الحوار من الأخلاق الفاضلة التي يجب على الوالدين الاهتمام بها عند تربيتهم لأبنائهم . والتربية الخلقية هي تدريب الناشئين على العادات الاجتماعية التي تفي بحاجات الجماعة والتي تتكون منها الحياة الاجتماعية في مجموعها هذه العادات هي التي يفرضها المجتمع على سائر أعضائه ويلزمهم بها , وآداب الحوار من الأخلاق العامة التي ينبغي أن نربي الأبناء عليها كالصدق والتواضع والأمانة وغير ذلك من الآداب .
وهذه الآداب من الأمور التي يحتاجها المجتمع لأن الحوار في الأساس وسيلة إلى التواصل بين أفراده , ودون هذه الآداب لا قيمة لهذا الحوار في ترسيخ قيم المجتمع , وتربية الابن على الأخلاق فيها تربية على المعاملة الحسنة بين أفراد المجتمع ومراعاة أحاسيس أفراده ومخاطبة الناس على قدر ما تطبعوا عليه ومن لك تربية الابن على استخدام الأسلوب الأمثل في الحوار .
عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( أستأذن رجل على الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : ائذنوا له بئس أخو العشيرة , فلما دخل ألان له الكلام قلت : يا رسول الله قلت الذي قلت ثم ألنت له الكلام ؟ قال : أي عائشة إن شر الناس من تركه الناس أو دعه الناس اتقاء فحشه ) في هذا الحديث نبه الرسول صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها على خطأ يقع فيه بعض الناس وهو أن بعضهم قد يجهل أدب الحديث ولا يعرف آداب الحوار فإن معاملة مثل هذا لا تكون بمثل أسلوبه في الحديث , بل الواجب الصبر عليه وملاطفته لعله يرجع عما هو فيه وتتحسن أخلاقه .
وقد كان صلى الله عليه وسلم يعلم الصحابة الأخلاق والآداب في كل الأحوال , عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما : ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل على أم السائب أو ام المسيب , فقال : مالك يا أم السائب تزفزين ؟ قالت : الحمى لا بارك الله فيها , فقال : لا تسبي الحمى , فإنها تذهب خطايا بني آدم , كما يذهب الكير خبث الحديد ) .
وفي هذا الحديث بين الرسول صلى الله عليه وسلم خطأ هذه الصحابية في سبها للحمى على الرغم من مرضها , وبين لها فائدة الحمى في تكفير الذنوب والمعاصي التي يرتكبها الإنسان وقد عدل الرسول صلى الله عليه وسلم لهذه الصحابية كلامها بأسلوب حواري جميل على الرغم من مرضها .
إذاً فالوالدان لابد أن يحرصا على غرس الأخلاق الفاضلة في نفوس الأبناء وتعليمهم الآداب الإسلامية في جميع شؤون حياتهم .
ثالثاً : تدريب الأبناء على ممارسة آداب الحوار :
تعليم الأبناء بالممارسة والعمل , فيه تدريب لهم على مواجهة الحياة الحقيقية والإنسان يتعلم بالعمل , بل إن التعليم بهذا الطريق هو أدعى لاستيعاب موضوع التعلم وأدعى إلى طول الاحتفاظ به , وأيسر في الاستدعاء والاستظهار . وإن آداب الحوار لا يمكن تعلمها في جلسة واحدة أو سردها بشكل نظري بل لابد من التدريب على تعلمها وممارستها بشكل عملي والتربية تسعى إلى تدريب المتعلم على تعقل كل شيء وفحص الجزيئات وفهم مايقال له وتفكره وعدم تقبله بدون دليل , فعلى الأبوين التأكيد على أبنائهما بالالتزام بهذه الآداب وتدريبهم عليها بحيث لو أخل الابن بهذه الآداب وهو يتحاور مع والديه أو مع أحد غيرهما لزم تنبيهه على هذا الخطأ , ويبين له أنه لن يصل إلى نتيجة في الأسلوب الذي يتبعه في مقاطعة غيره .
إن هذا التدريب على هذه الآداب مفيد جداً فالابن قد ينسى بعض هذه الآداب ولكن الاستمرار في تعليمه سيعود عليه بالفائدة والوالدان عليهما تعويد أبنائهما على هذه الآداب بالإضافة إلى ضرورة حسن مخاطبة الغير ومراعاة اللهجة اللينة, فالتأدب في الحديث مع مراعاة اللهجة التي يصدر فيها الكلام هو الذي يجعل الإنسان محبوباً في بيئته للترقي في مجال عمله , والتدريب مفيد للأبناء إذ عندها يستطيع الطفل أن يعبر عن حقوقه وبإمكانه أن يسأل عن مجاهيل لم يدركها , وبالتالي تحدث الانطلاقة الفكرية له , فيغدوا في مجالس الكبار فإذا لوجوده أثر وإذا لآرائه الفكرية صدى في نفوس الكبار , لأنه تدرب في بيئته مع والديه على الحوار وآدابه وطرقه وأساليبه , واكتسب خبرة الحوار من والديه ( المغامسي ,1425 , ص 271 ) .
ثانياً : تطبيق الآداب التربوية للحوار في المدرسة :
0 التعليقات:
إرسال تعليق